الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

وأد البنات.. نقابهن

فاطمة خير










فاطمة خير
وأد البنات.. نقابهن


اختطف الإعلام الخبر، لا خوفا من الكارثة لكنه.. وللأسف بحثا عن الإثارة! وهذه هى المعضلة الكبرى، برغم أننا نسعى «لبناء مجتمع جديد»، فإن إعلامنا لا يزال يقف محله، البحث عن إثارة لكل يومٍ جديد! فأن تقوم «معلمة» بقص شعر فتاة هى كارثة بكل المقاييس، وجريمة يُعاقب عليها فى الدول المتحضرة، لكن الأمر فى الدول «المتنيلة» لا يعدو أن يكون عنوانين فى الصفحة الأولى، على كام مانشيت، ومتابعة يومين ولا تلاتة، وخلصت الحدوتة، حتى لو كانت مش حلوة وملتوتة.

أن تربى امرأة، هذا يعنى أنك تربى أمة بأكملها، وأن تقوم بإعداد معلم، هذا يعنى أنك تقوم بإعداد شعب، وأن تسن مواثيق شرف تدرب عليها إعلامييك، فهذا يعنى أنك تتحكم فى وعى من يربى المرأة ويقوم بإعداد المعلم، فما بالك بامرأة بدأ وعيها فى الحياة بأن يُقَص شعرها فى مدرستها، على يد معلمتها، التى لم تر وجهها أصلا، لم تسمع سوى صوت يهدد بالويل والثبور، لم تشعر إلا بروح وثابة نحو الانتقام من طفلة، لم تر منها سوى اللون الأسود يبلغها بأن الحياة تُدبر من قبل أن تُقبل! أى امرأةٍ تلك ستكون، وأى أمة ستتربى على يديها؟! وما بالك بمعلمة لم يتم اختيارها بناءً على لياقتها النفسية للتعامل مع النشء، لم يتم تأهيلها لتربية الأطفال، لا ترى عيبا فى أن تعتدى بدنياً ونفسياً على طفل هو نفسه أمانة لديها، لا تعرف فى الغالب أى رسالة عظيمة أوكلت إليها، ولا تعرف إن كانت هى نفسها موجودة على خريطة ولاة الأمر أم لا، فأى شعبٍ سيتم إعداده على يد معلمةٍ كهذهِ؟! وما بالك بإعلامٍ لا يدرك فى نفسه المسؤولية عما ينشر، ولا يؤمن بدوره فى متابعة ومناقشة وتحليل ما يجرى، يبحث عن اليوم ولا يفكر فى الغد، لا يعرف أنه «كاس وداير» ولا بد أن كلاً سيدفع الثمن بطريقةٍ ما، إعلام لا ينظم ذاته، ولا يمارس المسؤولية فى تغيير مجتمعه، فأى وعى سيخلقه إعلام كهذا لدى من يربى المرأة ومن يقوم بإعداد المعلم؟!

حين أردن أن يورثنهن القهر.. خدعنهن، أخبرنهن أن غطاء للشعر سيحميه من التراب والشمس، وأنهن بهذا الغطاء سيمتلكن شعرا جميلا، أفاقت الصغيرات ليجدن أن تاج رؤوسهن انحسر رويداً.. رويداً، ذهب بلا رجعة حين أيقن أنه لا فائدة له، وأن إنكارا لدوره يحرمه من الوجود.

القسوة ذاتها، ما كان لها أن تمنع امرأة من أن تقص شعر فتاة صغيرة لا تزل، فأى فائدة سترتجى منه فى المستقبل؟ هكذا تؤمن هى، حتى أن مثيلاتها قد تبتهلن يوماً إلى الله كى يخلق البنات بلا شعور، فما الفائدة من إثمٍ سيُحمَل إلى الأبد؟!

فى كل بستانٍ ستتفتح زهرة، ستحمل الفراشات حبوب اللقاح، سيروين بها عالماً جديداً، عالماً ما يلبث أن يولد من جديد، لكن.. لابد أولاً أن نترك الأزهار كى تتفتح، نتركها لحالها، فهى سنة الحياة، الحياة تعرف طريقها دوماً.

لو أننا غير قادرين على حماية «شعر» بناتنا من القص، لو أننا غير قادرين على حماية أجساد بناتنا من الانتهاك، لو أننا غير قادرين على حماية صغيراتنا من التعرض للعنف البدنى، لو أننا غير قادرين على منع العنف والانتهاك النفسى لبناتنا، لو أننا غير قادرين على حماية أسوار مدارسنا من ظلامٍ مقيم، لو أننا غير قادرين على منع غير اللائقين نفسياً للتدريس للأطفال من العمل فى مدارسنا، لو أننا غير قادرين على حماية النشء ممن يجهلون فكرة الطفولة أصلاً، لو أننا غير قادرين على منع المؤمنين بأن «الإنسانة» هى آلة جنس وحسب، من إظلام مستقبل بناتنا، لو أننا غير قادرين على كل ما سبق، فصدقونى، النتيجة الحتمية أنه:

سيأتى يوم ما من فتيات سينثرن زهورهن، ولا يبعثرن عطورهن، ولا يحرصن على وجودهن، فالموت المسبق حينها سيكون قدراً محتوماً.


الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012 - 15:56

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق