الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

شاهنده وهيباتيا.. ولا ألف راجل يا مصر

فاطمة خير



فاطمة خير
شاهنده وهيباتيا.. ولا ألف راجل يا مصر


فيا شاهنده وخبرينا يا أم الصوت الحزين
أم العيون جناين يرمح فيها الهجين
إيش لون سجن القناطر إيش لون السجانين
إيش لون الصحبة معاكى نّوار البساتين


هل تعرفون شاهنده؟

هكذا وصفها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، فهل تعرفونها أنتم؟، هل سمعتم صوتها الجهورى يصدح بالحق؟ لو أنكم لا تعرفونها حرىٌ بكم أن تفعلوا، ولو أنكم تعرفون فأنتم تشاركوننى الحسرة والغصة، من يدٍ نجسة امتدت لفمها تريد أن تخرسه لكنها لم تستطع، ولن تستطع.
فى مصر نساء، الواحدة منهن بألف رجل، لو احتسبنا الرجل هنا صالحاً للقياس، فكم من نساءٍ لا يساويهن فى الحق ولا العلم آلاف الرجال.

شاهنده مقلد، المناضلة المصرية، واحدة منهن، من هؤلاء الذين استمرت مصر التى نعرفها بنضالهن، وتضحياتهن، ورؤاهن المستبصرة، وعزائمهن الأصيلة، وإرادتهن العفية، ونياتهن الخالصة للحق والوطن. هى واحدة من المناضلين العظام، الذين لا تذكر كتب التاريخ معظمهن، لكن الأرض تفعل، والسماء تعرفهن، وهى امرأة كما ترون.. امرأة لا ناقصة عقل ولا إرادة، تثبت كما فعلت غيرها كثيرات فى تاريخنا أن للنساء أدواراً بجانب حمل الأطفال وإرضاعهن وتربيتهن، فتربية الطفل تبدأ من تهيئة وطن يليق به، هكذا تؤمن الأم الحقيقية.. وإلى هذا تسعى: بناء وطن يليق بأبنائها وأرض تمنحهم العدل والحرية، إنجاب طفل هو أمر أعمق بكثير من مجرد حمله فى الرحم فهذا فعل الطبيعة بالضرورة، أما فعل الإنسان فهو أبعد من هذا، وهكذا آمنت شاهنده.

شاهنده المرأة، ناضلت منذ شبابها لأجل حقوق الفلاحين، وجعلت قريتها كمشيش، محطة انطلاقها إلى معركة الحق، حتى بعد اغتيال زوجها المناضل صلاح حسين عام 1966، استمرت وحدها تربى أطفالها، وتبنى وطنها، كفلاحة مصرية أصيلة، لم تتوقف يوماً منذ ذلك الزمن البعيد، دخلت السجن مرات تاركةً أطفالها خلفها، لأجل وطن للجميع، وها هى فى حوار صحفى معها عام 2008، تهاجم نظام مبارك، بوضوح وعلنية، وتتهمه بغياب العدالة، وتؤكد ثقتها فى انتفاضة قريبة للشعب المصرى، تتمثل فى ثورة شعبية «خاملة فى ذاك الوقت»، لكنها تسجل خوفها من تحولها إلى فوضى بسبب غياب القوى السياسية المؤهلة للقيادة.

هكذا كانت شاهنده طوال الوقت، معلنةً لمواقفها، فى الوقت الذى كان فيه غيرها يحاول عقد صفقات تضمن نصيباً فى كعكة الحكم، أو ابتلاعها كلها، وحين أوشك على الابتلاع، أخافه صوتها فحاول كتمه، برغم كونها امرأة واحدة! خبرونى بالله عليكم : لماذا خوفه منها سوى أنه يعرف أنها بألف رجل؟!.

هل تعرفون هيباتيا؟

هى عالمة مصرية يعرفها العالم جيداً، لم لا وقد تم تعميدها عميدة للمدرسة الأفلاطونية حوالى العام 400 ميلادية؟!، امرأة مصرية عاشت فى ذلك الزمان البعيد، درست العلوم فى أثينا وروما، ودرستها للمصريين فى الإسكندرية، فى ذلك الزمان البعيد! أستاذة مصرية للفلسفة، كان لها مريدوها من كل مكان، سجل تاريخ العلوم اختراعاتها، وقال عنها معاصروها: «كانت بارعة فى تحصيل كل العلوم المعاصرة، ما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها».. هكذا كانت مصر، وهكذا كانت نساء مصر.. الواحدة تساوى أكثر من ألف رجل.

لكن هيباتيا أيضاً للأسف لم تسلم من أعداء الحق، لم يستطيعوا تحمل علومها، ولا فلسفتها، ولا وقوفها فى وجه الظلم، ولا تحديها لرجال لم يستطيعوا هزيمتها باستخدام ما اعتبروه نقطة ضعفها «كونها امرأة»، إلا أنهم استخدموا الوسيلة التى لا يبليها الزمان: التطرف والتعصب والجهل، فجاء موت العالمة العظيمة، والفيلسوفة التى خلدها التاريخ، مأساوياً، حين اغتالتها الغوغاء بتحريض من رجال الدين، فكان موتها خالداً هو الآخر شاهداً على فعل التعصب عند البسطاء والعلماء.

عندما يريدون وصف امرأة بما هو حسن، يقولون إنها بألف رجل، لكننى لا أتفق مع هذا، فلا ألف رجل يساوى فى الحق شاهنده، ولا ألف رجل يساوى فى العلم هيباتيا.


الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012 - 13:46

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق