الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

كثيرٌ من الفقرِ.. كثيرٌ من القُبحِ

فاطمة خير






فاطمة خير
كثيرٌ من الفقرِ.. كثيرٌ من القُبحِ


ما المفاجأة فى أن تصطدم أعيننا بكل هذا القبح المتراكم؟، قبحٌ فى كل شبرٍ من أرض بلدى، قبحٌ فى العيون، وفى الوجوه، وفى المشاعر، هل هى حقاً مفاجأة؟ أعتقد أن الاندهاش يحمل قدراً كبيراً من المبالغة!

من منا لم يصطدم بالقبح المستتر مراتٍ ومرات، فأغمض عينيه.. ثم مضى؟!، من منا لم يتخل عن مسؤوليته فى استئصال قُبحٍ يولد.. ولو مرة؟، كم منا تواطئوا على أن يبقى هذا القبح متجاهلين أنه لن يرحل لو أنه تمكن منا؟

قُبحٌ.. وليس سواه، هو ما نعانى منه الآن، كل ما حدث أنه كسر القمقم وخرج!، قُبحٌ لم يولد بين يومٍ وليلة، وأى محاولة لادعاء غير ذلك هى محاولة للتهرب من المسؤولية مرةً أُخرى.. لا أكثر.

قُبح التحرش.. مثلاً، ليس وليد الأمس أبداً، هو وليد سنواتٍ وسنوات، تحدث بعضنا على استحياء، حاولوا لفت الأنظار، أرادوا النقاش والمواجهة والتصدى، لا أحد يهتم!، وحين رفعوا الصوت كان الاتهام بالمبالغة جاهزاً: أنتم تجعلون «من الحبة قبة»، ليست ظاهرة عامة، إنه نشاط يستهدف الإخلال بأمن الوطن وفقاً لأجندات أجنبية، اللاتى يشتكين من التحرش هن أساساً خارجات عن ناموس المجتمع،.. .إلخ، حتى هؤلاء الذين يحملون لقب «النخبة» اعتبروا الأمر «دلع بنات» وليس من الأولويات، كلام وكلام وكلام.. والهدف طبعاً «شرا الدماغ»!، ما العيب إذن أن الأسر البسيطة اعتبرت أن الأمر مرتبط بأن «خلفة البنات هَم للممات»، والحل فى التضييق والمزيد من التضييق على خروجهن من البيوت أو على ملبسهن أو.. أو.. إلخ!.

هؤلاء الذين يسيرون فى الشوارع بالملايين، لا يشبهون المصريين كما نعرفهم: كما رأيناهم فى الصور القديمة، وكما شاهدناهم فى أفلام الأبيض والأسود، وحتى تلك الملونة فى زمنٍ بعيد، كما تصورناهم فى رواياتٍ قرأناها وحكت عن مصر الحقيقية كأكثر من لوحةٍ زيتية مدهشة، هؤلاء لا يشبهون المصريين البسطاء «ولاد البلد» الأصليين، ليس بسبب الفقر، فبلادنا لم تعرف الرخاء حقاً سوى لأزمانٍ قليلة، والفقر لم ينل من كبرياء شعبها أبداً، ولا جعل أبناءها قُطاع طرقٍ يفقدون الطريق أمنه، يخيفون الناس من الخروج للشوارع، ويجعلون الليل جحيماً!، إنما هو القبح يا سادة، نعم القبح، «قُبح العشوائيات»، وهى أيضاً لم تنبت بين يومٍ وليلة، ولم تكبر فى السر، كانت تعلو يوماً فيوماً تصرخ بالظلم الواقع على ملايين المصريين من تراخى المسؤولين وتواطؤ الساسة!، لم ننتبه أيضاً وأغمضنا أعيننا، فضلت صفحات جرائدنا ومشاهد أفلامنا تلك المناطق الملونة الحلوة وسكانها الممتلئة وجوهم بالصحة وأرواحهم بالفرح، وحتى الصفحات والمشاهد التى اختارت أن تكون مختلفة، لم تنج من اتهامات بـ«النكد» ومحاولة تعطيل المسيرة، وللأسف كان صناعها قليلى الحيلة، وحتى «النخبة».. لم تر أن الأمر يستحق العناء، وحين اتضح أنه يستحق لأنه صار خطيراً كان السيف قد سبق العزل!، وحين «وقع الفأس فى الرأس» اتضح أن الجميع، والجميع بلا استثناء لابد سيدفعون الثمن، وها نحن الآن جميعنا.. ندفعه.

فقرٌ فى الروح سببه غياب الموسيقى «الحقيقية»، سببه إلغاء حصص الرسم فى المدارس، سببه الترويج لقيم لا تحول الإنسان المصرى إلا لسلعة، بل وسلعة رخيصة للأسف! ؛ أورثنا جيلاُ كاملاً لا يعرف الفرق بين الإعجاب بجمال الأنثى والغرائز المثارة!، بين إبداء الإعجاب بها والتعدى عليها!، بين النظر لها كأم وأخت وحبيبة و بين اعتبارها «مومس» من حيث الأصل!.

فقرٌ فى الكرامة والآدمية سببه غياب الإحساس بالمسؤولية عند كل مسؤولٍ «وكلنا مسؤول»، سببه اعتبارنا أن حدود الوطن هى أربع جدران تقينا «شر العشوائيات والعشوائيين»، أورثنا شعباً يقطن عاصمته ملايين بلا إحساس بالمواطنة ولا الهوية.. ولا حتى الكرامة والآدمية للأسف!.

التنصل من المسؤولية الآن جريمة، واعتبار ما نحن فيه وجعٌ شخصى هى جريمة «النخبة» بالأساس، الآن والآن بالذات: الكلمة مسؤولية والفعل مسؤولية، وصدق الله العظيم «سلامٌ عليكم لا نبتغى الجاهلين».


الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012 - 14:03

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق