الخميس، 28 يونيو 2012

من وحى نازك السلحدار.. والعهد المملوكى

فاطمة خير








فاطمة خير
من وحى نازك السلحدار.. والعهد المملوكى


كانت نازك السلحدار بطلة رائعة الراحل أسامة أنور عكاشة «ليالى الحلمية» امرأة جميلة دوماً، لم تغيرها السنون، وكانت وحدها تقريباً، التى لم يترك الزمن آثاره على وجهها وجسدها طوال الحقب الزمنية المختلفة التى استعرضها المسلسل، بل إن الزمن لم يؤثر أيضاً فى جموحها المستمر، ولا حبها الشبق للحياة، ولا كذلك.. فى عدم تعلمها من أخطائها مهما مر بها من مصائب!.

يقولون إن أسامة أنور عكاشة كان يقصد أن تكون شخصية نازك بهذا الشكل وهذه الأوصاف تحديداً، لأنه كان يقصد بها مصر: الجميلة التى تتصف بالرعونة أحياناً بلا مقدمات، التى يمر الزمن فلا يغير منها شيئاً، فهو لا يستطيع النيل من شبابها ولا جموحها، ولا حتى من قدرها: أن يتبادلها ابن الباشا / الغازى والفلاح ابن بلدها، كأنهما قدرٌ لا مفر منه، ورغم ذلك تمارس حقها فى التمرد دوماً، تحاول أن تثبت أنها قادرة على الاختيار بعيداً عنهما بصراعهما الذى لا يهدأ للاستحواذ عليها، وفى سبيلها للهروب وممارسة التمرد، كثيراً ما تقع فى اختياراتٍ حمقاء تكلفها الكثير «من عمرها ومالها»، لكنها حين تسقط فى المصيبة لا تكون وحدها أبداً، ولا تلبث أن تقف على قدميها من جديد، ولا تلبث أن تعيد الكرة !!.
على مدار ما يقرب من ثلاثمائة عام، عاشت مصر مع العهد المملوكى، حكموها مماليك من بقاع الأرض طوال ذلك العمر !، ولم ييأس «الحرافيش» من التمرد عليهم برغم كل القهر وكل الذل، وكل جبروت المملوك وقلة حيلة الحرفوش، لم يكن أهالى المحروسة يرون هؤلاء سوى سكان «قصر السلطان عالى البنيان..حَجَرة بفضة وحَجَرة بمرجان»، وعلى رأسهم الوالى الذى «إن شبعت بطنه اليد تعوز.. وإن عازت يده السرقة تجوز»... «أمال ازاى يبقى الوالى»؟!، ذلك رغم أن «بيوت الناس..لا حيطان ولا ساس.. ولا ليها لون ولا ليها مقاس.. وحيطانها طين.. أصواتها أنين .. وغناها حزين»، هكذا وصفهم شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودى، والذى رأى أنه لا بد سيأتى من بينهم أيضاً من «يرفع بنيان الغلبان.. ويطاطى بنيان الوالى.. ويرَقص قصر السلطان»!، ذلك أنهم أقسموا على أن «لو ربطوا إيدينا بكرة نحرروكى.. م السلطان والوالى والعهد المملوكى».

أكثر من أربعمائة عام، عاشتها مصر تحت حكم العثمانلى، الذى أتى غازياً لا فاتحاً، أجيال وأجيال من أجدادنا عاشت تحت حكم الغرباء، ولم يتركهم الحرافيش لحالهم أيضاً، بل أنهم رفعوا شعار أن «السجن للجدعان»!، أربعمائة عامٍ وأكثر قاوم الحرافيش من حواريهم الضيقة وسواعدهم القوية وقلوبهم الفتية، وذهب العثمانلى وبقى «ابن البلد» فى مكانه كما هو، بلغته ولهجته كما هما، بعاداته وهويته الوطنية والقومية، بقيت «المحروسة» كما هى العادة، وذهب الغزاة: فى صورة فاتحين أتوا أو فى صورة حلفاء، مهما ارتدوا من أقنعة أو تخفوا فى ثياب مصريين ما هم من صلب المحروسة حقاً، لما لا والحرافيش لا يزالوا يدقون بوابة الحياة ينادون بلادهم «قومى افتحى لولادك الطيبين قومى»، هكذا رآهم الشاعر الكبير سيد حجاب وهكذا رأى المحروسة «وادى وبوادى وبحور وكفور وموانى.. توحيد وفكر وصلاة.. تراتيل.. غنا وابتهالات.. وكل ده فى مصر يا ولاد حلوة الحلوات» ما هو اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى «لم يترك فيها سوى الملاحة والجمال واخدين بالكم»، ذلك الحلوانى الذى بناها لم يغادرها فهو « اسمه على بوابتها لا زال ولا زايل.. ساعة الهوايل يقوم قايل.. يابلداه .. وييجى شايل.. هيلا هوب شايل.. حمولها ويعدل المايل»، و عشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات.

> يقول بسمارك: «كثرة العدد ليس بدليل على الصواب، وإلا كان تسعة حمير يفهمون أكثر منى ومنك».


الخميس، 28 يونيو 2012 - 16:40


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق