‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 19 يناير 2012

يا رب.. وطن


فاطمة خير





فاطمة خير
يا رب.. وطن


فى رثاءٍ شعبى وفنى راقٍ للوطن يقول أهل العراق: «اللى مضيع حبيب يمكن سنة ويلقاه.. واللى مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه.. واللى مضيع وطن وين الوطن يلقاه؟»، أخشى ما أخشاه أن يأتى يوم قريب نغنى نحن هذه الأغنية الحزينة نفسها، فى يوم لا ينفع فيه الندم، بعد أن نفيق على أن المعارك التى خضناها، وكنا نظنها لوجه الوطن، كانت فى الحقيقة سبيلاً لاغتياله.
الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، والطريق إلى ضياع الوطن قد يكون مفروشا بما يبدو أنه تضحيات، الارتماء فى قلب التهلكة، ونذر الروح فداء لحياة الوطن، هو فى حد ذاته نُبل لا يساويه نُبل، لكن، أليس إعمال العقل واجبا؟، أن نتوقف قليلا أو حتى كثيرا كى نسأل أنفسنا: إلى أين؟ وثم ماذا؟ وكيف؟، أليس التوقف لتقييم أى تجربة من ضروب المنطق؟، أليس «النقد الذاتى» من شيم هؤلاء الساعين إلى عالمٍ أفضل؟، الحياة.. مسؤولية علينا تحملها وعبئها ليس بالهين، والحرية.. هدف ليس الوصول إليه سهلاً، لكنه فى الأساس يحتاج أن نكون على قيد الحياة لا جثثا تستجدى من يواريها الثرى، مصر تحتاج إلينا أقوياء أصحاء، الضعفاء لا يبنون أوطانا هم يستحقون الشفقة وحسب، ونحن نستحق أفضل من هذا وأكثر، نحن أحفاد الفراعنة العظام، وحماة أهل بيت النبى، وخير أجناد الأرض، ومجد الأمة العربية وقادة نهضتها، نحن يحق لنا أن نثق أكثر فى تاريخنا، وحضارتنا، و«جينات» النجاح والعَظَمَة لدينا، لذا ينبغى علينا أن نعتنى بأنفسنا أكثر، أن نتعامل معها باعتبارها تستحق الحياة لا الموت، أن ننجذب إلى لحن الحياة أكثر مما ننقاد إلى إغراء الموت، والحرب خدعة ينتصر فيها من يبقى على قيد الحياة، فيضحك أو يتألم لكنه فى كل الأحوال يظل ينبض بالحياة، فيدخر للغد أملاً أو حلماً.
الثورة ليست غاية، وإنما هى وسيلة، ككل وسائل البقاء، لعن الله من سفهها وبارك من أعطاها حق قدرها وأحسن استخدامها، الثورة قد تكون ناراً يحترق بها من لا يدرك سرها، وهم كثيرون حولنا، يدورون حول نار الثورة أملاً فى النور دون أن يدركوا أنهم يقتربون من الاحتراق بلهيبها، أدعو الله أن نفيق جميعاً خوفاً من أن نتسول وطناً فى يوم قريبا كان أو بعيدا، فالأوطان لا تمنح، وإنما تكتسب بقوة الإيمان بها والقدرة على الدفاع عنها وحمايتها حتى من أخلص أبنائها فى لحظة ما.
لنحارب لأجل البقاء على قيد الحياة أقوياء، ساعتها يحق لأى منا أن يمارس اختياره وليغنِ وقتها كما يشاء مع الرائع عبدالرحمن الأبنودى:
«أبكى.. أنزف.. أموت
وتعيشى يا ضحكة مصر».

الخميس، 19 يناير 2012 - 16:25

الأحد، 2 أغسطس 2009

قبل العشرين بعام: فى ذكرى الغزو!

فاطمة خير



فاطمة خير
قبل العشرين بعام: فى ذكرى الغزو!


كان صباحاً مثل هذا اليوم.. الجو حار للغاية، الساعة تمام العاشرة، استيقظت متجهةً إلى غرفة أمى كالعادة، لم أستمع إلى أى من برامج المذياع التى اعتدتها، المؤشر يقف عند نشرة الأخبار، وهى تستمع باهتمام، اندهشت قليلاً، كانت فى سرير مرضها لم تغادره بعد، أخبرتنى أن القوات العراقية دخلت إلى الكويت، وبتلقائيةٍ شديدة أجبتها: وإيه يعنى.. مش هى جزء من العراق!

لم أعر الأمر اهتماماً.. توجهت أصنع لنفسى وأمى كوبين من الشاى، وأمارس حلمى بالجامعة التى أقف على أعتابها. لا تندهشوا، فهكذا تعلمت فى مدارس العراق، وبالتحديد فى حصص الجغرافيا: لم تنفصل الكويت عن ذهنى فى يوم عن جنوب العراق، عدت لأمى بالشاى، لأرى قلقها، أدركت وقتها أن الأمر قد يكون كبيراً، كانت ترقد بلا حول ولا قوة، وأشقاؤها جميعاً هناك.. فى الكويت، طبعاً لم يكن "موبايل" و"إنترنت" و"دش"، كان كل شىء غائماً، كل ما أدركته أنها حريصة بألا تعلم والدتها شيئاً عما حصل، وأبى.. كان يبذل ما فى وسعه، يتصل بأصدقائه فى العراق ليحاول أن يعرف شيئاً جديداً: إذن الأخوال والخالات فى خطر! وأيضاً جيراننا فى بغداد، ما هذا اليوم العجيب؟ الثانى من أغسطس، لم أكن أدرك حينها أنه سيتحول يوماً بعد يوم، ليرتبط فى الذاكرة بكل هذا الألم. أمى.. كانت تتابع الأخبار من فراش موتها، والعائلة تموت قلقاً على الأبناء، وأنا.. لا أفهم شيئاً مما يجرى.

بدأت الجامعة: كل هذا الفيض من التظاهرات والمظاهرات، كل هذا العنفوان الذى لم أتخيله يوماً فى عالمى الصغير، دافعنا كثيراً عن وجهة نظر "رومانسية" لا أكثر، عن ظلم نظام الكويت، والحياة المريحة للمصريين فى العراق، كلنا إصرار على أن ما فعله "صدام" ليس خاطئاً، مظاهرات واعتصامات، وزملاء دخلوا السجون، والعنفوان لم يهدأ.

ثم جاء يناير..
والآن قبل أن يتم هذا الحدث عامه العشرين، لم أعد أنفر من وصف "الغزو" الذى ظللت كثيراً أرفضه، فأنا أذكر جيداً معاناة الجيران التى كانت تأتينا عبر الهاتف وزيارات الأصدقاء، إلى أن انقطع كل شىء، أذكر الأخوال والخالات عائدون يجرون أذيال الخيبة بعد عمرٍ راح فى الخليج.. بلا ثمن أترك حرم الجامعة المتقد بفورة الشباب، أركب المترو وأرى بوادر اكتئاب تزحف على وجوه المصريين.. ولم تغادره حتى الآن: انطفأ كل شىء.. راحت تحويشة العمر.. لم يعد سفرا للكويت أو العراق.. الحرب تدق الأبواب.. والحزن يخيم على كل شىء.

لم أعد أكترث كثيراً لوصف "غزو" أو "احتلال" أو "اجتياح" أو غيرها، الدرس كان أكبر من ذلك، فحصص الجغرافيا لا تستقى صدقها من ثبات طبيعة الأرض، الحدود هى أشياء يرسمها البشر وفقما أرادوا، والقانون الدولى.. يقف فى صف من يمتلك القوة، الفائز دائماً فى الحرب هو الفائز فى كل شىء..

قبل العشرين عاماً بعامٍ واحد، لا يزال التاريخ يؤلمنى، لا أكترث بمن كان مخطئاً، ومن كان على حق، أسرارٌ كثيرة تتكشف يوماً بعد يوم.. عن ذلك اليوم: ليلة ويوم قلبا موازين كل شىءٍ فى المنطقة، والضريبة دفعناها نحن.. كلٌ بطريقته.

الأحد، 2 أغسطس 2009 - 18:18